اليوم الوطني الثالث والتسعين: استحضار التاريخ
تركي بن فيحان الشيباني – باحث دكتوراة في التاريخ السياسي بجامعة ساسكس – برايتون
يعد اليوم الوطني من أيام مملكتنا المجيدة، فهو يوم الوحدة والترابط بين أبناء الوطن وقيادته فضلاً عن كونه ذاكرة المجتمع الملهمة. تأتي قيمة هذا اليوم المجيد باستعادة الجزيرة العربية لدورها التاريخي والقيادي بعد ملاحم البطولة (ما بين عام 1902م و 1932م) التي قاد رايتها الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -رحمه الله- وشعبه البطل، حيث كانت حالة عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي والتغييب الثقافي عنوانًا للفترة التاريخية لما قبل قدوم عبدالعزيز، والتي بلا شك أبعدت المجتمع آنذاك عن مسار الوحدة والتقدم في المجالات المختلفة. أيضًا كان مجيئ عبدالعزيز والثقة التي منحها له السعوديون إيذانًا بمولد عهد جديد ومسيرة جديدة تَزعمها قائد حقيقي بأهدافه النبيلة في شحذ الهمم والتأسيس لدولة فتية متماسكة.
لم يكن نجاح عبدالعزيز لأهداف ذاتية وإنما هو نجاح ديني وشعبي وقومي؛ حينما اذكر الدين والشعب والقومية فإنني أعزو ذلك إلى (تطبيق الشريعة وروح القيادة في حشد الجماهير وفخر العربي بعروبته)؛ من يقرأ تاريخ الجزيرة العربية (المملكة العربية السعودية) قبيل نضال عبدالعزيز ويقارنه بتاريخها بعد مجيئه، يدرك هذه الحقيقة. إن التأسيس لدولة مترامية الأطراف لم تكن مهمة سهلة، لكنها مشيئة الله عزوجل أن هيئ الظروف لهذا القائد الذي اجتمعت فيه صفات القيادة والفروسية فضلاً عن التنشئة الدينية والتي جميعها ساهمت في تكوين شخصيته المناضلة. لم يكن نضال عبدالعزيز وشعبه عسكريًا فقط بل شمل مشاريع علمية نهضوية، منها على سبيل المثال لا الحصر، مشروع توطين البادية في الهجر، والاهتمام بالحرمين الشريفين، وبناء صروح العلم، وتنويع مصادر الدخل؛ والتي تُفسر بأنها هيأت لدولة حقيقية ذات سيادة، تحمل رسالة السلام بمبادئها النبيلة.
ومنذ إعلان توحيد المملكة العربية السعودية في 21 جمادى الأولى 1351 هـ/ الموافق 23 سبتمبر 1932 م، سار حكام هذه البلاد المباركة على نهج المؤسس في عملية البناء والتطوير في كافة الأصعدة والدفاع عن الوطن، فكانت نهضة الوطن وحماسة قادته مصدر إلهام للعرب وللعالم أجمع. إن عجلة التنمية في المملكة العربية السعودية لا تعرف القيود والأنانية فهي شاملة عابرة للحدود، سلام وازدهار في مشاركاتها وأفكارها (مواقف المملكة في هذا الصدد لا حصر لها على المستوى الاقليمي والعالمي) فالتصريح الشهير لولي العهد محمد بن سلمان -حفظه الله- “بأن الشرق الأوسط سيكون أوروبا الجديدة” -بعلوم ومعارف وتقدم ما يعرف “بالعالم الأول”- ليس عنا ببعيد؛ ففكر القيادة هنا يشير إلى الإصرار على جدية العمل، والتأكيد على مواقف مملكة الانسانية والخير وتبنيها لهذا الهدف الطموح؛ وأبعد من ذلك، يمكن القول، بأن النهضة العربية التي طال انتظارها، مُهد الطريق لقدومها. وفي الوقت المعاصر، يتجلى الجانب العملي لاستمرارية النهضة بفروعها المتنوعة، في رؤية 2030 التي رسم استراتيجياتها وأشرف على خططها محمد بن سلمان، فهي امتداد لإنجازات الأسرة السعودية ومن ثمار عشقها لهذا الوطن وتمنيها الخير لشعبه. ومن أجل تلك المسيرة وتضحياتها والصورة الجميلة التي رسمتها، يحتفل الشعب السعودي بيومه الوطني الثالث والتسعين (93) معبراً عن مشاعر الفرح والفخر بأرضه وإنجازاتها الراسخة في سجلات التاريخ وشواهده.
وبهذه المناسبة أتقدم بأجمل التهاني وأصدق الأماني لمقام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان وإلى كافة الشعب السعودي الشهم، سائلاً الله عزوجل أن يحفظ بلادنا العزيزة من كل سوء وأن يديم عليها نعمة الأمن والرخاء.